الإطار الوطني للمؤهلات .. جودة التعليم والتدريب ومتطلبات سوق العمل

الإطار الوطني للمؤهلات .. جودة التعليم والتدريب ومتطلبات سوق العمل 
د. محمد باقر
للمؤهلات الأكاديمية والتدريبية التي يحصل عليها الفرد؛ نتيجة التعليم أو التدريب فوائد في غاية الأهمية له وللمجتمع بشكل عام. فبالإضافة إلى الهدف الأساسي للمؤهلات الذي يؤهل الفرد للحصول على وظيفة معينة، ومن ثمَّ التدرج في السلم الوظيفي والتعليمي، هناك هدف آخر لا يقل أهمية عن الهدف الأساسي وهو أنها تلهم المتعلمين والخريجين وتُعزز ثقتهم بأنفسهم بأنهم قادرون على العمل والعطاء، وتُعدهم لحياتهم المستقبلية، حيث تتطلب الوظائف في القرن الحادي والعشرين قوى عاملة تختلف كثيرًا عن النهج السابق من ناحية اكتساب المعارف والمهارات، والتمكن من الكفايات المطلوبة وبشكل مستديم.
إن المتعلم في هذا العصر هو القادر على الإبداع والابتكار، وهو القادر على مواكبة التقدم السريع في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، واستخدامها الاستخدام الأمثل، إضافة إلى قدرته الاعتماد على النفس، والعمل ضمن فريق، والتميز بالمهارات الحياتية المختلفة. كل هذا يتطلب توفير بيئة قادرة على صقل المواهب، وتوفير المؤهلات وتقييمها، وطرح البرامج التعليمية والتدريبية ذات المخرجات التعليمية المتقدمة المطلوبة.
وفقًا لما سبق فإنَّ مملكة البحرين – وفي إطار منظومتها التعليمية والتدريبية - والتي تتوافق مع الرؤية الاقتصادية 2030، تدشن كافة الخطط الاستراتيجية، وتُفعل المبادرات التنموية ذات المشروعات الخلاقة والتي تصب في بوتقة التنمية المستدامة وبالأخص التنمية البشرية. ولعل الاهتمام بتنمية سوق العمل المحلية من خلال جَسر الفجوة بين مخرجات التعلم ومتطلبات هذه السوق، وتطوير مؤسسات التعليم والتدريب، وتوفير القوى العاملة المؤهلة هو من صميم الاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة. ومن هذا المنطلق تَبلورت فكرة تأسيس إطار وطني للمؤهلات ليعزز التعلم مدى الحياة، ويضمن جودة المؤهلات، ويحقق الترابط المطلوب بين مخرجات التعلم واحتياجات سوق العمل.
هذا، ويعدُّ الإطار الوطني للمؤهلات وسيلة من الوسائل المهمة لتطوير التعليم وتجويد مخرجات التعلم، كما أنه يُعد كذلك أداة لتصنيف المؤهلات بناءً على مخرجاتها التعليمية؛ إذ يعكس كل مستوى من المستويات العشرة للإطار مستويات المؤهلات المسكنة عليه بصورة سهلة وشفافة للمتعلمين، وأولياء الأمور، وأرباب الأعمال على السواء.  
كما تشمل عمليات الإطار فحص البرامج التعليمية والتدريبية، والتأكد من جودة مخرجاتها؛ بغرض تطوير المناهج والبرامج التعليمية والتدريبية، وجعل خريجيها قادرين على العطاء والتنافس ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستويين الإقليمي والدولي. كما يتضمن الإطار الوطني للمؤهلات عمليتين أساسيتين هما: الإدراج المؤسسي وتسكين المؤهلات. فالإدراج المؤسسي هو العملية التي تسبق تسكين المؤهلات، ومن شأن الإدراج إيجاد بيئة داعمة للمتعلم والتعليم والمؤهلات من خلال السياسات واللوائح المتوافقة مع أفضل الممارسات الدولية. ويلي عملية الإدراج المؤسسي للمؤسسة المعنية على سجل الإطار الوطني للمؤهلات، تقديم المؤسسة طلبات تسكين مؤهلاتها التي تطرحها، وهي العملية التي ينتج عنها ضمان جودة المؤهلات، والتأكد من احتياج سوق العمل لها، وقياس مستوى مخرجات تعلمها طبقًا لمستويات الإطار العشرة. والجدير بالذكر أن الهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب تستعين في عملتي الإدراج المؤسسي والتسكين بالطاقات الوطنية من ذوي الخبرة لفحص وتقييم طلبات الإدراج المؤسسي وتسكين المؤهلات. كما أنه يَتوفر على الموقع الإلكتروني للهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب سجل الإطار الوطني للمؤهلات، وهو عبارة عن قاعدة بيانات تحوي معلومات عن مؤسسات التعليم والتدريب المدرجة ومؤهلاتها المسكنة.
من جانب آخر، وكما يهتم الإطار الوطني بالمؤهلات الوطنية، فهو يهتم كذلك بجودة المؤهلات الأجنبية المطروحة من قبل مؤسسات التعليم والتدريب في مملكة البحرين؛ إذ تعكف الهيئة حاليًا على تصميم وإعداد السياسات العامة والمعايير والإجراءات لضمان جودة المؤهلات الأجنبية أسوة بمعايير ضمان جودة المؤهلات الوطنية؛ بهدف إسنادها على الإطار. وهو الأمر الذي سيتوفر من خلاله وجود آلية وطنية شاملة لتأسيس وترسيخ منظومة التعليم والتدريب وجميع المؤهلات المطروحة في البحرين وضمان جودتها.
ومن الجهود الدولية الحثيثة التي تقوم بها الهيئة، عملية محاذاة الإطار الوطني للمؤهلات في مملكة البحرين بغيره من أطر المؤهلات. وهي عملية في غاية الأهمية ليس فقط لربط الإطار الوطني للمؤهلات في مملكة البحرين بغيره من الأطر، بل لما تحتويه عمليات المحاذاة من مقارنات وضمان للجودة، ولما يترتب عليها من نتائج للاعتماد المتبادل والاعتراف بجودة ومستويات المؤهلات في كل من الأُطر المرتبطة ببعضها البعض.
إن لوجود مؤسسات تعليم وتدريب قادرة على تصميم وطرح مؤهلات ومناهج متميزة، وتلبي احتياجات سوق العمل دورًا أساسيًّا في مواجهة تحديات المستقبل، وبناء اقتصاديات المعرفة والتنمية البشرية. وإنه لمن المتوقع - من خلال طرح مؤهلات مصممة حسب أفضل الممارسات ومعايير الجودة العالمية - أن يحفز هذا عجلة الإبداع والابتكار بين خريجي هذه المؤهلات ليواكبوا التغيير الاقتصادي والاجتماعي العالمي، وأن يكتسب المواطن البحريني من المهارات والخبرات ما يجعله أكثر تميزًا وتنافسيةً، ويسهم في دفع عجلة التنمية والازدهار في هذا الوطن المعطاء.

​​