تاريخ الامتحانات الوطنية وفلسفتها

تاريخ الامتحانات الوطنية وفلسفتها
بقلم: وفاء اليعقوبي
تطورت وسائل القياس والتقويم التربوي بصورة سريعة ومطّردة منذ ستينيات القرن الماضي. واستنادًا إلى النظريات الحديثة في التقييم فقد أصبح العديد من علماء التربية يؤمنون بأهمية قياس مستوى أداء النظام التعليمي بشكلٍ دوري؛ وذلك لتقديم تغذية راجعة باتجاه تحسين مستوى أداء النظام بكل عناصره. وقد أسهم تنوع التعليم في الدفع بتقييم مستوى الأداء التعليمي على نطاق وطني وبمواصفات موحدة.
 
وقد بادر العديد من الدول والمؤسسات الإقليمية والدولية بتدشين آلية لقياس الأداء تمثلت في إجراء الامتحانات الوطنية والدولية؛ بهدف قياس المستوى التعليمي للطلبة في تلك الدول، ونشر تقارير دورية لقياس الأداء، ولتحسين التعليم وفقًا لمعطياتها ونتائجها، ولاكتشاف مواطن الخلل وتصويبها ومن ثمَّ تحسينها. ولا شك أن غالبية الامتحانات الوطنية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمنهج وطني تحدده المؤسسة التعليمية الرسمية في تلك الدولة، ويتم بناء الامتحانات وفق مفرداته ومقرراته الدراسية؛ لقياس المهارات والكفايات التي حددها هذا المنهج.
 
        وتاريخيًّا، فإن أقدم محاولة لخلق امتحانات موحدة وطنية قد تمت في الصين، في القرن السابع الميلادي إذ أجرت امتحانات موحدة لاختيار المسئولين والموظفين في الدولة. بعد ذلك يذكر علماء التربية أن نظام امتحانات موحدة ظهر في أوروبا خلال القرن السادس عشر الميلادي، ثم انتشرت بعد ذلك في القرن الثامن عشر وبشكلٍ تدريجي عبر ألمانيا، ثمَّ تبعها نظام البكالوريا الفرنسية، فنظام التأهيل الإنجليزي. كما قد انتشرت في القرن العشرين الامتحانات القياسية الموحدة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت تستخدم للقبول في الجامعات، ونيل المؤهلات، ومنح التراخيص لمزاولة مهن الطب، والتدريس وغيرها، والتي مازالت مستمرة إلى الوقت الحاضر.
 
وحاليًا، فإن غالبية الدول تستخدم نظامًا أو أكثر للامتحانات الوطنية، والتي يتكيَّفُ استخدامها حسب متطلبات الدولة والإقليم؛ إما لقياس أداء النظام التعليمي، أو للقبول الجامعي والمهني، أو للقياس والقبول معًا.
 
 وتتباين العوامل التي تجعل هذا النوع من الامتحانات الموحدة ضروريًّا في دول العالم ومناطقه المختلفة، إلا أنه من أبرز تلك العوامل، ومن أكثرها شيوعًا ما يأتي:
1.   احتياجات صنع القرار: لأهمية التعليم وأثره يطالب المسئولون وصناع القرار بمعلومات محدثة ودورية تقيس أداء المنظومة التعليمية؛ لأن جودة التعليم من ركائز تقدم الأمم، ومن العوامل الكبرى لتقدمها اقتصاديًّا وعلميًّا واجتماعيًّا. ولذا فإن نتائج الامتحانات، خاصةً إذا كانت من جهة مستقلة، تصبح من أبرز البيانات التي يستخدمها صانع القرار لتطوير التعليم على مختلف المستويات.
2.   المساءلة: لا شك أن الموارد المتزايدة التي توفرها الدول للتعليم بحاجة للمساءلة حول أثرها في تطوير المجتمع وفي بناء الفرد.
3.   متطلبات العولمة: العولمة غيرت الكثير من أنماط الحياة بما فيها التربية والتعليم، إذ أصبحت مؤشرات التعليم وقياس المهارات الأساسية من أهم البيانات التي تؤدي إلى تحديد نظرة العالم لدولة ما. لذا فإن العديد من المؤسسات مثل الأمم المتحدة، واليونسكو، ومنظمة التعاون الاقتصادي، والبنك الدولي تنشر مؤشرات مهمة حول النظام التعليمي لكل دولة يتم اعتمادها لأي استثمار دولي أو تقييم اقتصادي.
4.   التحسين عبر التغذية الراجعة: لا شك أنه مع انفتاح النظام التعليمي في أي دولة، وتنوع خيارات المستفيدين بين قطاعاته المختلفة يدفع بضرورة القياس المستقل والموحد لمخرجات جميع تلك المؤسسات. وقد أسهبت نظريات التقويم التربوي في أهمية التغذية الراجعة ودورها في تحسين وتطوير الأداء في العملية التعليمية بكل مكوناتها.
 
تربويًّا، فلا شك أن العوامل الثلاثة: المنهج، وطرائق التدريس، والقياس هي أضلاع العملية التربوية والتعليمية الأهم. فإن جانب القياس والتقويم لا بد من الاهتمام به، وتوفير أهم متطلباته؛ ومنها: أن تعكس الامتحانات المنهج الوطني الذي يُوضَع ويحدَّث دوريًّا، وأن تتمتع بالاستقلالية والدقة والسلامة في الإجراءات، إضافة إلى الشفافية التامة في نشر النتائج، وإيصال التغذية الراجعة للمدارس، والقائمين على النظام التعليمي، وأخيرًا قياس أثر الامتحانات دوريًّا في تحسن التعليم.
 
        ختامًا، فلا جدال أن نظاما كالامتحانات الوطنية يعد من الإنجازات الكبرى، ومن مؤشرات التطوير في أي نظام تعليمي، ويسهم في دفع مستوى التعليم بصورة عامة؛ ولذا فإن مملكة البحرين - وضمن مبادرات سمو ولي العهد لتطوير التعليم، والمجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب - قامت باستحداث الامتحانات الوطنية البحرينية، والتي بدأت في قياس أداء الحلقات التعليمية الأساسية منذ العام ٢٠٠٩. وتقوم إدارة الامتحانات الوطنية بالهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب سنويًّا بإعداد الامتحانات الموحدة للصفوف الـ ٣، أو٦، أو٩، والتي تتوافق مع المنهج الوطني لتقييم مواد اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم. كما تنظم الإدارة امتحانات الصف الـ ١٢، والتي تقيس مخرجات التعلم في اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، وحل المشكلات. كما تقوم الإدارة بتوفير التغذية الراجعة وإرسال التقارير التفصيلية للمدارس، ووزارة التربية والتعليم.
 

​​