تعليم عالٍ يَصنعُ الفرق

 تعليم عالٍ يَصنعُ الفرق..
 
في ظل التوسع الكبير الحاصل في التعليم الجامعي، وانفتاح استثماراته بصورة لم تكن متوافرة قبل عقد من الزمان، باتت الحاجة ماسّة وملحّة لتعزيز المعايير الأكاديمية على مستوى التعليم العالي بمملكة البحرين.
كما أنَّ النظرة الحقيقية لتلك المعايير، لا تتوقف على كونها تمنح القوة لمؤسسات التعليم العالي وبرامجها الأكاديمية فقط، وإنما تمتد إلى ضمان رفد سوق العمل بمخرجات تعليمية ذات كفاءة عالية، تتسابق إليها مواقع العمل المختلفة، وتساير التطورات الحديثة، ولا تكون أبدًا عبئا على أي تطور أو تحديث.
إن كلمة "جامعة" مشتقة من اللاتينية، والتي تعني "مجتمع المعلمين والعلماء"، وهي كلمة لها مكانتها وتقديرها على كافة المستويات، وفي كل أنحاء العالم.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن النهضة التي سجَّلها السابقون، في مجالات متعددة ومتنوعة، قد قطعت شوطًا تعليميًّا في هذا المجال أيضًا.
يسجِّل التاريخ أن أول وثاني وثالث جامعة أنشئت جميعها في وطننا العربي، بدءًا بجامعة الزيتونة في تونس سنة 737 من القرن الثامن، إلى جامعة القرويين بمدينة فاس المغربية سنة 859 من القرن التاسع، إلى جامعة الأزهر بمصر سنة 970، من القرن العاشر، في حين أن أول جامعة في أوروبا كانت جامعة بولونيا الإيطالية في العام 1088، من القرن الحادي عشر.
إن هذا التاريخ الزاخر بتقدمنا يحثنا دائمًا لبذل عطاء أكثر؛ للوصول إلى مستويات أعلى في كافة المجالات وأولها التعليم.
لا يمكن تجاوز حقيقة أن التعليم العالي في المرحلة الجامعية وما بعدها، بات اليوم مطلبًا أساسيًّا للولوج إلى عالم المعرفة واكتساب المهارات والخبرات، والتي تتطلبها سوق العمل المحلية والإقليمية والدولية؛ من أجل التشغيل والتوظيف واستقطاب الكفاءات، الأمر الذي نتج عنه تزايد غير مسبوق في تلك المؤسسات والهيئات والمنظمات، للحصول على الكفايات والكفاءات التي تؤهل أصحابها للمنافسة.
يوجد في عالمنا اليوم أكثر من 170 مليون طالب في مرحلة التعليم العالي، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 262 مليون مع العام 2025، ومعظم هذه الزيادة ماثل في الدول النامية، حيث إن نصفها يقع في كل من الصين والهند؛ الدولتين الأكثر كثافة سكنية، والمساحة الكبيرة موقعًا، كما أن عدد الطلبة الدارسين خارج بلدانهم سيتضاعف ليصل إلى 8 ملايين طالب وطالبة حينها.
إنَّ الارتفاع الكبير في أعداد الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي، في عالم تتسارع فيه منتجات العقل البشري، من معرفة وتقنية، يتطلب معه وضع أنظمة واضحة وشفافة، بمعايير تتوافق مع المتطلبات الدولية لضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي.
ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتخطيط شامل، تراعى فيه التغييرات المتسارعة في التعليم الجامعي، وإدراك حقيقي لمحاور هذا التغيير، من تحديث وتطوير لأنظمة وأساليب الدراسة الجامعية، وتوجيه البحث العلمي في الجامعات لخدمة المجتمع، إضافة إلى وضع سياسات واضحة للتوسع في التعليم العالي، وضمان جودة ذلك النوع من التعليم.
كما أنه يتطلب دراسة مكثفة لتجاوز التحديات، وتطوير أهم عناصر أي عملية تعليمية، يمثّلها المعلم والمنهج والطالب.
إن جميع دول العالم، سواء أكانت المتقدمة منها أم النامية، تسعى لرفع مستوى التعليم فيها، حيث إن التعليم يعدُّ من أهم أدوات خفض مستوى الفقر، وتحقيق المساواة، وبه يتم بناء الأسس لتنمية اقتصادية مستدامة.
إن مملكتنا الفتيّة، بفضل الله، ثم بفضل قيادتنا الرشيدة، كانت ولا تزال الداعم الرئيس للعلم والتعليم، إيماناً منها بأنه الطريق الوحيدة لخلق مستقبل أفضل للمواطن البحريني. كما أن التطورات في ميدان التعليم العالي، وأبرزها فتح المجال للاستثمار في التعليم الجامعي الخاص، كان واضحًا منذ بداية العقد الأخير في الألفية الماضية.
ذلك التقدم كان مقننا ويسير بتؤدة، واكتمل بمبادرات تطوير التعليم والتدريب، والتي كانت الهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب إحداها، لضمان جودة ما يقدم في التعليم العالي.
إن التعاون والتكامل فيما بين جميع الأطراف المعنية بالتعليم العالي، سيسهم بعون الله في رفع مستوى التعليم والمتعلمين في وطننا الغالي، بما يحقق النهضة العلمية والاجتماعية والاقتصادية التي نصبوا إليها جميعاً.

​​