تقييم جودة أداء المدارس والمعاهد خلال الوضع الاستثنائي

تعتبر هيئة جودة التعليم والتدريب (BQA)، هيئة وطنية مستقلة، تخضع لإشراف مجلس الوزراء وتقوم بتنفيذ مهامها وأهدافها طبقا لتوجيهات ورؤى مجلس الإدارة، وترفع تقاريرها إلى المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب الموقر لاعتمادها.

وقد تأسست الهيئة في العام 2008 ضمن مبادرات مشروع تطوير التعليم، الذي استمد رؤيته من المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد المفدى الملك حمد بن عيسى آل خليفة في العام 2002، وهو إحدى المبادرات الرائدة لرؤية البحرين الاقتصادية 2030، والذي يهدف إلى تحقيق نقلة نوعية وتحسين الخدمات المقدمة في قطاعي التعليم والتدريب المهني في مملكة البحرين، والتي ستعمل - بدورها - على رفع الكفاءات المهنية وتحقيق التنمية البشرية لمواطني المملكة.

ومنذ تأسيسها، شرعت الهيئة في تنفيذ مختلف الأنشطة المرتبطة بتحقيق ضمان الجودة، بما في ذلك وضع معايير وأطر لقياس جودة الأداء للمؤسسات التعليمية والتدريبية، وإجراء مراجعات موضوعية لتقييم أداء كافة المؤسسات التعليمية والتدريبية المرخص لها بالعمل في المملكة. ولكن ما حدث من مستجدات بعد جائحة كوفيد-19، اضطر الهيئة لتعيد صياغة بعض أطر التقييم المرتبطة بالوضع الاستثنائي الذي حدث.

وفي هذا الصدد، نلتقي مع الدكتور خالد الباكر مدير إدارة مراجعة أداء المدارس الحكومية، والدكتور حسن الحمادي مدير إدارة مراجعة أداء المدارس الخاصة ورياض الأطفال بهيئة جودة التعليم والتدريب، لتسليط الضوء على أهم ما قامت به الهيئة خلال الوضع الاستثنائي، وتوضيح التفسيرات المهمة بشأن تقييم أداء المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في ظل انتشار وتداعيات جائحة "كوفيد-19".

 

 

كيف تعاملت هيئة جودة التعليم والتدريب مع جائحة "كوفيد-19"؟

يقول الدكتور خالد الباكر: مبدئيًّا، قامت الهيئةُ بدراسة وتقييم ممارسات التعليم والتدريب عن بعد لدى المؤسسات التعليمية والتدريبية بمملكة البحرين، وتَضَمَّنَ ذلك تقييم أداء عينة تمثلت في مؤسستي تعليم عالٍ، ومؤسستي تدريب مهني، وأربع مدارس خاصة، وذلك في الفترة الممتدة من مارس إلى يونيو 2020. وجاءت هذه المبادرة من منطلق الالتزام بتطبيق مرسوم هيئة جودة التعليم والتدريب رقم: (83) لسنة 2012، واستنادًا إلى المادة الرابعة من المرسوم، والمعنية بمباشرة الهيئة لكافة المهام والصلاحيات اللازمة، والتي ينصُّ البندُ السابعُ منها على: "نشر التقارير حول الوضع العام للنظام التعليمي والتدريبي في المملكة، والتطورات التي تطرأ عليه". وقد تم تنفيذ هذه التقييمات من خلال الإدارة العامة لمراجعة أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية وإداراتها الأربع.

لقد تعاملت هيئة جودة التعليم والتدريب مع انعكاسات وتداعيات جائحة "كوفيد-19"، على مرحلتين، الأولى: استطلاعية، وتزامنت مع صدور قرار اللجنة التنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله ورعاه، بتاريخ 17 مارس 2020، والذي تقرر بموجبه "حتى إشعار آخر إيقاف الدراسة في المدارس الحكومية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة ورياض الأطفال، مع استمرار عمل الكوادر الإدارية والتعليمية، والحث على تطبيق العمل عن بعد متى ما توفرت الإمكانية لذلك، وتوجيه وزارة التربية والتعليم لاتخاذ التدابير اللازمة لعدم تأثر العملية التعليمية بالتنسيق مع الجهات المعنية".

وفي المرحلة الثانية، وفي ظل المتابعة الحثيثة لتوجيهات اللجنة التنسيقية، والتقييم المستمر للأوضاع في المؤسسات التعليمية والتدريبية؛ قامت الهيئة - مسترشدةً بمخرجات المرحلة الأولى - بإعداد إطار تقييم جودة الممارسات المدرسية في ظل الأوضاع الاستثنائية، وإطار تقييم جودة ممارسات التعليم/ التدريب في ظل الأوضاع الاستثنائية أيضًا في مؤسسات التعليم والتدريب المهني، وذلك بمشاركة المعنيين من الجهات المنظمة ذات العلاقة، ومسترشدةً بعينات من استبيانات أولياء الأمور، واستطلاعات الشركاء الإستراتيجيين، بجانب الاستشارات التحكيمية الإقليمية والدولية، والتي جاءت كلها لتصب في تصميم الإطارين اللذيْن تم اعتمادهما من قِبَلِ مجلس الوزراء الموقر، ونُشِرَا على موقع الهيئة www.bqa.gov.bh.

 

 

كيف يقارن أداء الهيئة في هذه المرحلة بالدول الأخرى في هذا المجال؟

يذكر الدكتور حسن الحمادي، أنَّ ردود أفعال الدول إقليميًّا وعالميًّا قد تباينت في التعامل مع الجائحة فيما يخصُّ تقييم جودة التعليم، ويرجع التباين إلى عدة عوامل منها: قرارات الدول باستمرارية التعليم لا تعطيله، وكذلك استعداداتها للتعليم عن بعد، وتوفير الموارد لدى كل من المدارس، والمعلمين، والطلبة، ومدى قراءة البلد لانتشار الوباء أو انحساره. فعلى سبيل المثال، بريطانيا قررت تعليق مراجعات الجودة، وركزت الجهود فقط على متابعة المدارس المتعثرة فيما يرتبط بالأمن والسلامة، وسارت أسكتلندا على نهج مشابه، في حين أوقفت السويد مراجعاتها. أما نيوزلندا فقد نحت منحًا مختلف حيث قررت متابعة عمل المراجعات، واختبار الإطار الجديد الذي سيتم تطبيقه قريبًا. وإقليميًّا، وركزت دولة الإمارات العربية المتحدة فقط على تقييم إجراءات التعليم عن بعد. أمَّا في مملكة البحرين، فقد سجلت الهيئة حضورًا متميزًا في الميدان، وذلك بتوسيع رؤيتها للتعامل مع الظروف الاستثنائية، وعدم حصر ردة الفعل على جائحة "كوفيد-19"؛ فما كان منها إلا أن صممت إطارًا استثنائيًّا مخففًا يسمح بالتعامل مع كافة الظروف الاستثنائية، ويكون جاهزًا ومُقَرًّا للتنفيذ ومعلنًا للعامة. وقد نالت هذه المبادرة صدىً عالميًّا، ولعل آخر صداها كان في إشادة المتحدثين الدوليين في مؤتمر الهيئة الرابع، والذي عُقِدَ على مدى يومين متتاليين في الـ 30/31 من مارس 2021.

 

ما المقصود بالوضع الاستثنائي وفقًا لتفسير هيئة جودة التعليم والتدريب؟

ترى الهيئة - وفقًا للدكتور الحمادي - أنَّ الوضع الاستثنائي هو وجود عامل، أو أكثر، ويتمثل في وقوع حدث مفاجئ، أو كارثي يعطل بشكل واضح عمل المجتمع أو المؤسسات بالصورة المعتادة، وقد يسبب ذلك خسائر بشرية، أو مادية واقتصادية، أو بيئية تؤثر في قدرة المجتمع، أو المؤسسات على التعامل مع هذه العوامل بالصورة الاعتيادية الطبيعية، وقد تكون هذه العوامل مرتبطة بظروف طبيعية كالزلازل والأعاصير وغيرها، أو يكون لها مسببات بشرية كانتشار الأوبئة وغيرها.

وما المقصود إذا بعملية تقييم جودة الممارسات المدرسية في الأوضاع الاستثنائية؟

يؤكد مدير إدارة مراجعة أداء المدارس الخاصة ورياض الأطفال الدكتور الحمادي، أنَّ العملية تشاركية بين جهة التقييم (الهيئة ممثلةً في الإدارة المعنية)، والجهة المُقَيَّمَة (إدارة المدرسة/ المعهد، والمنتسبين)، في تقييم مستوى جهوزية المدرسة، وقدرتها على التعامل والتعاطي مع الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها الدولة، بما يضمن سير العملية التعليمية في مجالات العمل الرئيسة بالصورة المناسبة، مع التأكد من توفير عناصر الأمن، والحماية الملائمة لهذه الأوضاع.

ما الفرق بين مراجعات أداء المدارس/ المعاهد الاعتيادية، وتقييم الأداء خلال الأوضاع الاستثنائية؟

يوضّح مدير إدارة مراجعة أداء المدارس الحكومية الدكتور خالد الباكر ذلك قائلا: هناك اختلافات عديدة وجذرية، تبدأ من الغاية من عملية المراجعة، ففي المراجعات الاعتيادية يكون الهدف هو الوقوف على فاعلية جودة ما يقدم في المؤسسات التعليمية والتدريبية من خلال عملية شاملة ومكثفة، وتَصدرُ بناءً عليها أحكامٌ تقييمية، في حين تهدف عملية التقييم الاستثنائية إلى الوقوف على توفر الحد الأدنى من متطلبات سير العملية التعليمية والتدريبية عبر عملية تدقيق وفحص للممارسات والإجراءات، ولا تفضي إلى أحكام، بل تصنيفات عامة؛ أي إنه وبصورة أوضح تقوم المراجعة بقياس مدى انعكاس أثر ما تقوم به المؤسسات، في حين تقيس عمليات التقييم تَوَفُّرَ الحد الأدنى الذي يضمن حفظ حق الطلبة في التعلم واستمراريته.

وعلى الرغم من أنَّ كلا الإطارين تمَّ بناؤهما بتشاركية مع المعنيين ووفقًا للمقايسات المرجعية الدولية، والتحكيم الدولي، إلا أن الأطر الاستثنائية تعدُّ مُخَفَّفة ومُلْحقة بالأطر العامة (الاعتيادية)، وكليهما مُهَيَّئٌ لقياس كافة أنماط التعليم والتعلم. وتراعي الأطر الاستثنائية تقليل العبء على المدارس من عمليات التقييم، وذلك بتخفيف عدد مجالات ومعايير التقييم، واقتصارها على الأساسيات، حيث تفهمت الهيئة الضغوطات الواقعة على المؤسسات في بداية فترة الجائحة.

كيف أعدّت الهيئة الميدانيْن التعليمي والتدريبي لعمليات التقييم؟

جريًا على عادة هيئة جودة التعليم والتدريب - وفقًا للدكتور الحمادي - فقد تم التنسيق للقاءات التدريبية والتوعوية مع المدارس الحكومية والخاصة كافة، والمعاهد التدريبية، وعُقِدَتْ كلُّها عبر التواصل عن بعد وفق تعليمات اللجنة التنسيقية، وتم شرح أدوات التقييم الذاتي استعدادًا للتقييم الاستثنائي، كما تم استعراض الأطر الاستثنائية، والمعايير وتفسيراتها، ومصادر الأدلة، وكيفية الحصول عليها، ومعنى فئات التصنيف. وقد سهلت الهيئة عمليات تسليم الأدلة، ومتابعة عمليات التقييم، وذلك بالتحول الإلكتروني السريع في كل ما يخص تقديم متطلبات التقييم، أو إجراء عملية التقييم عن بعد بصورة إلكترونية بالكامل. كما أوضحت الهيئة آليات الزيارة الميدانية، وعمليات التحقق من أمن وسلامة الطلبة، واتباع الإرشادات الصحية للذين يقررون الحضور الشخصي للمدرسة.

 

ماذا تعني فئات التصنيف "أ"، و"ب"، و"جـ"؟ وهل التصنيف "أ" يعادل "الممتاز"؟

يؤكد الدكتور الباكر أنَّ عملية التقييم الاستثنائي بالأحكام في المراجعة الاعتيادية لا علاقة له بالتصنيفات السابقة، فكما ذُكر سابقًا في التقييم الاستثنائي؛ فإنه يتم النظر في الحد الأدنى من متطلبات سير العملية التعليمية، وعليه فإنه لا علاقة بين التصنيف "أ" وتقديري: "ممتاز" و"جيد". وتعدُّ المدارس/ المعاهد التي تُصَنَّفُ في الفئة "أ"، هي التي لاقت التوقعات بتوفير الحد الأدنى، وجاءت أغلب ممارساتها فاعلة، في حين تكون ممارساتُ المدارس/ المعاهد المصنفة في الفئة "ب" ممارساتٍ فاعلةً جزئيًّا، وتكون ممارساتُ المدارس/ المعاهد المصنفة في الفئة "جـ" ممارساتٍ غيرَ فاعلة، وكلا الفئتين "ب و جـ"، تحتاجان إلى بذل المزيد من الجهود؛ للارتقاء بمستوى الخدمات التعليمية المقدمة فيهما، وفي بعض الحالات يحتاجان إلى الدعم والمتابعة لتطوير الأداء. وهذا ما نصت عليه أدلة تقييم الممارسات الاستثنائية بوضوح، وتم التأكيد عليه في عمليات تدريب المؤسسات على المتطلبات، وكذلك يتم بيانه للمؤسسة قبل وأثناء التقييم.

كثير من المدارس والمعاهد تحتفي بالتصنيف ضمن الفئة "أ" على أنه تميز أو امتياز. ما مدى صحة ذلك؟

يوضّح الدكتور الباكر أنَّ هذا التفسير غير سليم، ووفقًا لما بيناه سابقًا، فإنه يبدو أنَّ بعض المؤسسات التعليمية قد وقعت في الخطأ - عن غير قصدٍ - حينما فسرت التصنيف "أ" أو "A" على أنه امتياز. والهيئة بدورها تؤكد على أن التقييمات في ظل الوضع الاستثنائي لا تغير من أحكام المؤسسة السابقة – في الأوضاع الاعتيادية - فيما يتعلق بجودة الأداء.

ولإزالة اللبس، فإنه يجب التوضيح أن الغاية من التصنيفات في التقييم الاستثنائي هي فقط لتركيز وتوجيه الدعم من قبل الجهات المنظمة، فالمدارس المصنفة ضمن الفئة "ب" و "جـ" تكون قد أبدت جوانب ضعف بارزة، وقد تكون غير قادرة على تلبية الحد الأدنى خاصة فيما يتعلق بضمان تعلم الطلبة، وحماية أمنهم وسلامتهم.

ما العائد من عمليات تقييم الأداء في ظل الوضع الاستثنائي؟

يشير الدكتور حسن الحمادي إلى أنه: في الوقت الذي أُشكل على بعض النظم التعليمية حول العالم كيفية تفعيل دور ضمان الجودة، قدمت مملكة البحرين نموذجًا  رائداً في التعامل مع الأزمة، ولعلنا نلخص أبرز العوائد من عمليات ما قدمته المؤسسات خلال فترة الجائحة في التالي:

  1. رصد وتقييم الجهود المقدمة في مجال التعليم خلال الأزمات في المؤسسات التعليمية والتدريبية في المملكة.
  2. تطوير نموذج لتقييم جودة ممارسات التعليم/ التدريب في ظل الأوضاع الاستثنائية الطارئة للمؤسسات التعليمية والتدريبية في المملكة.
  3. نشر الممارسات المتميزة، وتقديم التوصيات لتطوير الوضع القائم للتعليم/ للتدريب.

وقد أشاد العديد من المؤسسات التي تم تقييمها بدور الأطر الاستثنائية في توفير الخطوط العامة لما يجب التركيز عليه خلال فترة الجائحة، الأمر الذي أسهم في تركيز وتوجيه جهودها؛ لضمان حق الطلبة في التعلم، بصورة عادلة وآمنة.

ما خطط الهيئة المستقبلية لمراجعات الأداء؟

ينوّه الدكتور خالد الباكر إلى أن الهيئة تتابع الجهود الجبارة التي تقوم بها كافة مؤسسات المملكة المعنية للتعامل مع هذه الأزمة، وتنسق معها على أعلى المستويات، وفيما يخص التعليم والتدريب، فإن الهيئة تضع خططها واجراءاتها بناء على ما يصدر من  قرارات من اللجنة التنسيقية  برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، وتوجيهات  سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة  نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب. وبنهاية هذا العام الأكاديمي ستقوم الهيئة بإعداد تقرير يحوي التقييمات التي تمت خلال هذا العام ويرصد الجهود التي  بذلتها مؤسسات التعليم والتدريب في المملكة ، والتوصيات حول الوضع التعليمي في الأوضاع الاستثنائية، والنظر في امكانية  المضي قدمًا فيما يتعلق بإعادة تفعيل إطار مراجعات الأداء الاعتيادي للعام المقبل، من عدمه. آملين في أن يحفظ الله مملكة البحرين قيادة وشعبًا، وأن تزول هذه الأزمة قريبًا بإذن الله.​



​​