المرأة البحرينية في مجال التعليم العالي: نحو التنمية الاقتصادية المستدامة

المرأة البحرينية في مجال التعليم العالي: نحو التنمية الاقتصادية المستدامة

 

الدكتورة نجمة تقي

مستشار أكاديمي في إدارة مراجعة أداء مؤسسات التعليم العالي

هيئة جودة التعليم والتدريب

 

تشهد مملكة البحرين تطورًا متناميًا على جميع مستويات التعليم، لاسيما قطاع التعليم العالي؛ وذلك من أجل تلبية احتياجات سوق العمل، والاقتصاد المبني على المعرفة، حيث شهدت في العام 2000، طفرة في مجال التعليم العالي مع افتتاح العديد من الجامعات، التي يتزايد عددها باستمرار، حيث وصل عددها إلى حوالي 15 مؤسسة، ما بين حكومية، وخاصة، وإقليمية، بعد أن كان مجموع مؤسسات التعليم العالي في التسعينيات لا يتعدى الثلاث جامعات.

ومن الأسباب الكامنة وراء هذا التوسع الكبير في عدد مؤسسات التعليم العالي، نمو عدد السكان المحليين والمقيمين، بالإضافة إلى ما تضمنته رؤية البحرين الاقتصادية 2030، القائمة على التحول من الاقتصاد القائم على النفط إلى اقتصادٍ قائمٍ على المعرفة؛ مما يستدعي تشجيع التعليم والابتكار؛ بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

وفي هذا الإطار فلا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي قام به المجلس الأعلى للمرأة، لتعزيز دور المرأة البحرينية في التعليم، وزيادة مشاركتها في دفع عجلة الاقتصاد، وفقًا للتوجيهات السامية من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله ورعاها. ونتيجة لذلك، فقد تنامى عدد النساء البحرينيات في سوق العمل؛ نتيجة التحاقهن بمؤسسات التعليم العالي وحصولهن على المؤهلات الأكاديمية. هذا، وتشهد آخر إحصائيات المجلس الأعلى للمرأة، ووزارة التربية والتعليم على هذا النمو، حيث بلغت النسبة التقريبية لخريجات التعليم العالي 65% مقارنة بإجمالي عدد الخريجين، كما بلغت نسبة الطالبات المقيدات في مختلف مؤسسات التعليم العالي بالبحرين 59% مقارنة بعدد الطلبة، وتشير الإحصائيات أيضًا إلى تفوقهن في الحصول على المنح والبعثات الدراسية. وقد أثبتت الإحصائيات الأخيرة لليونيسكو الزيادة في عدد الطلبة المسجلين في مؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين، وقد فاق عدد الطالبات عدد الطلاب في جميع المراحل الجامعية من الدبلوم إلى الدكتوراه، بل في معظم التخصصات.

ولقد أصبحت إسهامات وإنجازات المرأة البحرينية واضحة في مجال التعليم العالي ليست كطالبة فقط، بل نجحت في الوصول إلى العديد من المناصب الإدارية العليا في السلك الجامعي، فحصلت على منصب رئيس لمؤسسة تعليم عالٍ، عميد، مدير، رئيس قسم، وكذلك حققت تقدمًا في المجال الأكاديمي والبحث العلمي، فحصلت على العديد من الدرجات العلمية، إضافةً إلى حصولها على الزمالة والعضوية في العديد من الهيئات والمنظمات الدولية.

لقد بدأ التعليم العالي في المملكة في أواخر الستينيات، واتسمت هذه الفترة بإنشاء مؤسسات عامة للتعليم العالي، مثل: المعهد العالي للمعلمين في 1966، كلية الخليج الصناعية في 1968، كلية العلوم الصحية في 1976، كما تمَّ تطوير المعهد العالي للمعلمين ليصبح في العام 1979، كلية البحرين الجامعية للعلوم والآداب والتربية، وجامعة الخليج العربي في 1979. وفي العام 1986، تم دمج كلية البحرين الجامعية للعلوم والآداب والتربية، وكلية الخليج للتكنولوجيا، ليصبحا جامعة البحرين، والتي تمثل أكبر الجامعات الحكومية وأعرقها في المملكة، حيث تستقطب أكبر عدد من الطلبة سنويًّا في مختلف التخصصات والمراحل الجامعية.

كما دُشِّنَ العديد من الجامعات الخاصة، حتى وصل عددها إلى 12 مؤسسة خاصة، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بافتتاح مؤسسات تعليم عالٍ خاصة قريبًا. ومن ناحية أخرى، دشنت مملكة البحرين في أكتوبر 2008، رؤيتها الاقتصادية 2030، تحت رعاية عاهل البلاد المفدى، حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حيث وصفها «بالبرنامج الاقتصادي المتكامل»، والتي تسعى لتطوير اقتصاد المملكة، ولم يكن محور إصلاح التعليم غائبًا عما ذكر في الرؤية الاقتصادية 2030. وقد شمل وضع معايير للجودة والمراجعة المنتظمة لجميع مؤسسات التعليم والتدريب، والتي من ضمنها مؤسسات التعليم العالي، ومقارنتها بمنافساتها محليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا، حيث التشجيع على البحث العلمي والتطوير؛ لبناء اقتصاد قوي قائم على المعرفة.

وقد انتقل قطاع التعليم العالي لاستقطاب عدد من الجامعات الأمريكية والبريطانية؛ لتلبية احتياجات السوق المحلية، وتطوير المهارات المطلوبة في سوق العمل الحالية والمستقبلية، والتشجيع على الابتكار حسب رؤية البحرين 2030، لما يقع من مسئوليات على عاتق مؤسسات التعليم العالي في إعداد الأجيال القادمة القادرة على مواجهة التحديات المستقبلية باعتبار التعليم العالي المحور الأساسي للتنمية المستدامة الشاملة.

ونظرًا لأهمية مؤسسات التعليم العالي، فقد ظهر العديد من التحديات بشأن معايير الجودة؛ مما أدى إلى ظهور العديد من المبادرات على مستوى المملكة؛ لمراقبة أداء المؤسسات، ووضع سياسات ومعايير لضمان جودة التعليم في المؤسسات التعليمية والتدريبية، إضافةً إلى المرسوم الملكي بتأسيس هيئة جودة التعليم والتدريب في العام 2008، والتي تمَّ إعادة تنظيمها في العام 2012. وهي جهة تقييم مستقلة؛ تقوم بمراجعة أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية، وتحديد مجالات التطوير الممكنة؛ لتحسين العملية التعليمية والتدريبية، وتطبيق أعلى المعايير العالمية لضمان الجودة، حيث أصبح التعليم الركيزة الأساسية باعتماده هدفًا رابعًا ضمن الأهداف الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة - في سبتمبر 2015 - من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومن المهم تحقيق كل هدف من الأهداف بحلول العام 2030. وقد شملت الخطة 17 هدفًا منها "ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة". ويدْعمُ الاهتمامُ بجودةِ وتطوير التعليم اكتسابَ الخريجاتِ البحرينيات كفايات ومهارات القرن الواحد والعشرين، ويعززُ امتلاكهن ابتكارات العلوم والمعارف الحديثة بما يرسخ قدراتهن على تلبية متطلبات السوق ومتغيراتها داخليًّا وخارجيًّا، حيث إنهن يمثلن الغالبية من مجموع الطلبة في مؤسسات التعليم العالي. كما يعززُ أيضًا الاهتمامُ بجودة وتطوير التعليم دافعيتهن في الالتحاق بالبرامج الأكاديمية العليا والدورات التدريبية المساندة، ورفع تقارير الجودة الشاملة للنظام التعليمي بشكل عام، والتي تتسم بالشفافية، ومن ثمَّ يساهمُ في الجهود الوطنية المبذولة لتمكين المرأة البحرينية، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في مختلف المجالات، إضافة إلى دور هيئة جودة التعليم والتدريب في نشر أفضل الممارسات الوطنية في التعليم والتدريب، ونشر تقارير أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية كجزء من مبادرة إصلاح التعليم؛ من أجل تحقيق أهداف الاقتصاد المعرفي، ومنجزات التنمية المستدامة.

لذلك ركزت المملكة على تطوير التعليم وإصلاحه، وجعله من أولوياتها، وتسعى جاهدة في رفع مكانة العلم، وتقدير القائمين والقائمات عليه وتكريمهم جميعًا؛ ممَّا جعل المجلس الأعلى للمرأة يخصص يومًا للمرأة البحرينية، إيمانًا منه بإسهامات المرأة البحرينية في مجال التعليم العالي وعلوم المستقبل، مركزًا على التعليم ومشاركة المرأة الفاعلة، ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والرؤية الاقتصادية 2030.

 


 

​​