ضمان جودة مؤسسات التعليم العالي .. الواقع والطموح

ضمان جودة مؤسسات التعليم العالي ..
 الواقع والطموح
بقلم د. وفاء المنصوري
إن ضمان جودة أداء مؤسسات التعليم العالي وبرامجها الأكاديمية يعدُّ من القضايا المهمة التي تحوز على اهتمام القائمين على العملية التعليمية من صناع القرار ومتخذيه ومن مؤسسات التعليم العالي على السواء، إضافة إلى الطلبة وأولياء الأمور خاصة بعد الازدياد الكبير في أعداد الطلبة المنخرطين في تلك المؤسسات، والذي صاحبه فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في ذلك الميدان وذلك مع بدايات الألفية الثالثة؛ مما أدى إلى زيادة مُطَّرَدة في عدد مؤسسات التعليم العالي، هذا بالإضافة إلى التنوع الكبير في طبيعة هذه المؤسسات، وأنماط التعليم الذي يتم تقديمه، والمنافسة الشديدة فيما بينها.
وقد جاء الإعلان العالمي لحقوق التعليم العالي في العام 1998، ليؤكد على أهمية أن تمتلك الدولة مصادر بشرية عالية الكفاءة، حيث حدد أنه "لا يمكن لأي دولة، من دون مؤسسات للتعليم العالي ومؤسسات بحثية توفِّر لها ما تحتاجه من الموارد البشرية المتعلمة وذات الكفاءة، أن تضمن التنمية الحقيقية والأصيلة والمستدامة، وخاصة في الدول النامية والأقل تقدُّما، التي لن تستطيع من دون ذلك أن تقلِّل من الفجوة التي تفصلها عن الدول المتقدمة صناعيًّا". كما أن الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030، جاءت لتؤكد الحاجة إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وتحويل الاقتصاد البحريني من اقتصاد قائم على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد قائم على الابتكار، وذلك من خلال آليتين رئيستين: أولا، من خلال تحفيز ودعم القطاع الخاص ليصبح محركا للنمو، وثانيًا من خلال تمكين البحرينيين؛ لكي يصبحوا الاختيار الأمثل عند التوظيف داخل المملكة. ويعدُّ التعليم والابتكار محركي تحول رئيسين، من شأنهما تحقيق هذا النمو والتحول في الاقتصاد.
إلا أن إمكانية الحصول على هذا التعليم ليس كافيًا بذاته، وإنما يلزم أن تتأكد الحكومة، وأرباب الأعمال، وأولياء الأمور، والطلبة من جودة التعليم العالي، وأن يكون هناك ثقة سائدة بأن خريجي مؤسسات التعليم العالي قد حصلوا على المستوى المناسب من المهارات والمعارف التي تؤهلهم لأن يسهموا في تحقيق الرؤية الاقتصادية للعام 2030، والتي تتطلب أن يكون في الدولة "نظام تعليم من أعلى المستويات يمكِّن جميع البحرينيين من تحقيق طموحاتهم".
ومن هنا جاءت الحاجة لتأسيس هيئة مستقلة تتبع مجلس الوزراء – الهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب - لتقييم أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية القائمة في مملكة البحرين، من خلال مراجعات الجودة التي تقوم بها على أساس المؤشرات الإرشادية التي تضعها وتعلن عنها، ونشر التقارير الخاصة بذلك على موقعها. وثمة هدفان رئيسان لعمليات مراجعة الجودة، حيث يتمثل الهدف الأول في تقديم أحكام حول جودة إجراءات ضمان الجودة في المؤسسات، وجودة البرامج الأكاديمية المقدمة؛ من أجل المحاسبة العامة. أما الهدف الثاني فيتمثل في أن عمليات المراجعة تنطوي على عنصر تطويري قويّ؛ فهي تزود المؤسسات والبرامج المقدمة فيها بإشادات وتوصيات، وتغذية راجعة من أجل التطور والتحسين.
 أن المتتبع لأداء مؤسسات التعليم العالي منذ بدأ عمليات مراجعة الأداء على المستوى المؤسسي، البرامج الأكاديمية في 2008، وحتى تاريخه، يجد أن هناك تحسنًا في مستوى أداء بعض من هذه المؤسسات وبرامجها الأكاديمية، والذي جاء نتيجة انتشار الوعي بأهمية ضمان الجودة، ودور المؤسسات في ذلك، إضافة إلى وضع وتطوير السياسات اللازمة لإدارة المؤسسة وبرامجها الأكاديمية، ومأسسة عملياتها، وتحسين البنية التحتية لبعض مؤسسات التعليم العالي. كما ساهمت المراجعات التي قامت بها مؤسسات التعليم العالي لبرامجها الأكاديمية ومقايستها ببرامج مماثلة تقدم في مؤسسات تعليم عالٍ محلية وإقليمية ودولية، والاستفادة من التغذية الراجعة التي يقدمها الأطراف ذوو العلاقة، وممثلو سوق العمل في تطوير برامجها لتكون في مستويات تتوافق مع المتوقع منها. إلا أنه توجد هناك بعض التحديات والتي لابد من معالجتها لضمان استمرارية عملية التحسين، حيث لا تزال هناك برامج أكاديمية تحتاج بنيتها إلى تطوير، ولا يزال هناك قصور لدى بعض المؤسسات في توفير هيئات أكاديمية متنوعة ومناسبة، ومازالت المساهمات البحثية للهيئات الأكاديمية محدودة؛ نتيجة للنصاب الأكاديمي العالي لأعضاء هيئات التدريس في تلك المؤسسات، وعدم وجود البيئة المحفزة للبحث العلمي. كما أن المستويات الأكاديمية لخريجي بعض البرامج لا تلبي في أحيان كثيرة متطلبات سوق العمل، وهي بالأساس نتيجة اقتصار أدوات التقييم في بعض الحالات على أسلوب الحِفظ، وتذكر المعلومات، بدلا من تقييم مهارات التحليل، وحل المشكلات، والتفكير الناقد. كما أن مستوى الامتحانات لا يتناسب مع الدرجة العلمية الممنوحة؛ نتيجة ضعف مستوى الطلبة عند الالتحاق بالبرنامج الأكاديمي، وعدم قدرة مؤسسة التعليم العالي على رفع مستواهم بما يتناسب واحتياجات البرنامج. ولعل توفير قيادة أكاديمية فاعلة قادرة على تقديم تعليم ذي جودة عالية يستقي فيها الطالب المعارف والمهارات المطلوبة لتنافس بنجاح في اقتصاديات القرن الحادي والعشرين هي من أهم التحديات التي يجب إيجاد حلول لها؛ لضمان توفير تعليم عال ذي جودة عالية يتوافق مع رؤية البحرين 2030.  
 
 

​​